الأربعاء، 25 يناير 2012
جبريل ابراهيم ..توريث القيادة ام الموت؟
تمهيد
انتخب المؤتمر العام لحركة العدل والمساواة 24-25 يناير 2012 الدكتور جبريل ابراهيم رئيسا للحركة خلفا لشقيقه الدكتور خليل ابراهيم الذي اغتيل فجر يوم الجمعة الثالث والعشرين من ديسمبر 2011 بقصف جوي اثار جدلا حول هوية الطائرات المنفذة، وسبق ذلك تولى الطاهر الفكي رئيس المجلس التشريعي الرئاسة "مؤقتا"، حيث ينص دستور الحركة على انتخاب رئيس جديد في غضون 60 يوما . حيث نص الدستور علي أنه إذا مات رئيس الحركة أو استقال أو أقيل أو أقعد للإعاقة فإنه يتولي رئيس المجلس التشريعي قيادة الحركة لمدة شهرين ثم يعقد المؤتمر العام للحركة لاختيار الرئيس .والسؤال المطروح : هل ستغير الحركة خطها العسكري واستراتيجيتها لاسقاط نظام الحكم في الخرطوم والانتقام لمصرع زعيمها الراحل ام تجنح الى السلام والانضمام الى " وثيقة الدوحة" لحل ازمة دارفور؟، خاصة ان الحركة تزعم انها اول من انشأت منبر الدوحة الذي انطلقت اول جلساته في 9 فبراير 2009 ، كما انها اول من وقع اتفاق "حسن النوايا وبناء الثقة" في 17 فبراير 2009 والاتفاق الاطاري في 23 فبراير 2010 مع الحكومة السودانية .
اسلامي معتدل
السؤال الذي يتبادر الى الذهن هل يسير الرئيس الجديد لحركة العدل والمساواة على خطى سلفه الراحل ؟يبدو للوهلة الاولى ان الدكتور جبريل ابراهيم 56 عاما، يشابه اخاه في اول ظهور في المؤتمر العام للحركة بزيه العسكري،كا منحه الاعضاء رتبة رتبة فريق أول في قوات الحركة، وتكشف اول تصريحاته عن رغبة في الانتقام حيث قال "مقتل خليل جعل أعضاء حركة العدل والمساواة يريدون الثأر ولا اعتقد بأنهم في وضع يجعلهم يقبلون الحديث عن الحوار". وبقراءة متانية لسيرة الرئيس الجديد تتبدى ملامح شخصيته المعتدلة، وهذه السمه قد تخالف اول ظهور له في الميدان – وهو المقيم في لندن ويحمل جواز سفر بريطانيا- وبدا حياته العملية في الخدمة المدنية وفي حقل التدريس الجامعي ،وكذا الحال في مناصب الحركة حيث كان مستشارا اقتصاديا ثم امينا للعلاقات الخارجية،على عكس شقيقه الراحل الذي كان عسكريا بامتياز في بدايات ثورة "الانقاذ الوطني" حيث كان اميرا للمجاهدين خلال حرب الجنوب 1989 – 1999،ولكن ما يجمعهما انهما من ابناء الحركة الاسلامية وناشطيها في بواكير حياتهما الطلابية. درس الدكتور جبريل، ، ادارة الأعمال بجامعة الخرطوم ،ونال الماجستير و الدكتوراه في علم الاقتصاد من جامعة ميجي بطوكيو عام 1987 وعمل أستاذاً مساعدا و رئيس قسم الاقتصاد بكلية الشريعة، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 1987 - 1992 كان ناشطاً سياسياً خلال دراسته بجامعة الخرطوم حيث تولى عدة مناصب تنظيمية في اتحاد الطلاب والجمعيات العلمية والروابط الطلابية كما تقلد منصب أمين عام رابطة الطلاب المسلمين باليابان لعدة دورات.التحق بالحركة الاسلامية عندما كان طالباً بالسنة الأولى بمدرسة الفاشر الثانوية عام 1972، عمل مديراً مؤسساً لشركة عزة للنقل الجوي .يجيد الانجليزية وعدة لغات اسيوية ،رجل اعمال واكاديمي وتولى مناصب قبل الانشقاق في اوساط الحركة والخلاف بين المرشد الدكتور حسن الترابي والرئيس عمر البشير عام 1999،وهو ابن الحركة الاسلامية وتولى عدة مناصب بحكم الموقع في التنظيم ،وهاجر بعدها الى دبي وتم ابعاده وغادر الى بريطانيا حيث يقيم حتى الان، كما تولى عدة مناصب في حركة العدل والمساواة عند ظهورها كحركة متمردة في دارفور 2003 وتولى منصب امين العلاقات الخارجية، والمستشار الاقتصادي للحركة وابرز ظهور لجبريل، كان خلال مفاوضات سلام دارفور في منبر الدوحة،يتمتع بمقدرات في التفاوض . وكان مرجحا أن تؤول القيادة اليه بصورة تلقائية حيث مكنته صلة الدم و مؤهلاته العلمية وقوة نفوذه وموقعه في الحركة من الامساك بكافة الملفات كما انه أكثر القيادات حضوراً في العواصم العالمية لجمع الدعم والتأييد.
دلالات الرئاسة
عكس انتخاب الدكتور جبريل ابراهيم رئيسا لحركة العدل والمساواة، اكثر من دلالة، فعلى صعيد الاوضاع الداخلية للحركة،إذ يعبر الانتخاب عن التزام بالمؤسسية حيث جاء التئام المؤتمر العام في غضون شهر رغم مهلة 60 يوما،كما يؤشر الى تماسك الحركة وملء فراغ القيادة سريعا واستيعاب صدمة اعتيال زعيمها حيث كان الرهان او الترجيحات ان تواجه الحركة مصاعب خاصة بعد انشقاق المجموعة التصحيحية بزعامة محمد بحر نائب الرئيس واحد ابناء اقليم كردفان المجاور لاقليم دارفور الى 8 من القادة الميدانيين يتواجدون في دولة جنوب السودان – تقول المجموعة التصحيحية انهم رهن الاعتقال - ابرزهم علي الوافي الناطق العسكري ، والمفاوض في ملف الترتيبات الامنية خلال منبر الدوحة . اعاد ت قرارات المؤتمر العام قيادة الحركة الى بيت"آل ابراهيم " والى" قبيلة الزغاوة" وهو ما يعتبره البعض "توريثا للقيادة" ولكن الرئيس الجديد ينفي ذلك معتبرا انه"ورث الموت " حيث لقي شقيقه الاكبر مهندس البترول ابوبكر ابراهيم حتفه في "ثورة دارفور"ولاحقا اغتيل شقيقه الاصغر الدكتور خليل ابراهيم، وبحسب "راديودبنقا " فانه اختيار جبريل للرئاسة جاء بالتراضي وبالانتخاب المباشر، ولم يكن محل اشكال،وتكتسب بعض الاراء مصداقية في ان الرئيس الجديد ليس عسكريا ولم يكن يوما من القيادة الميدانية مثل المهندس سليمان محمد جاموس والفريق احمد ادم بخيت ، وهذا ما يضعه في المحك وهو الذي يمسك بملف العلاقات الخارجية وسيواجه بمتغيرات في هذا الصعيد بعد "الربيع الليبي" والاطاحة بالعقيد معمر القذافي وفقدان الحركة لشريان الدعم العسكري، الى جانب تحسن العلاقات بين الخرطوم وانجمينا، فالجوار بات لصالح الحكومة السودانية، وفقدت الحركة بعض قيادتها الميدانية واراضيها عسكريا ، بعد ضربة ودبندة .و سياسيا افرزت "وثيقة الدوحة – الذي يجد الدعم من المجتمع الدولي- نتائج على الارض لا يمكن تجاهلها اهمها وجود سلطة اقليمية لحركة التحرير والعدالة بزعامة التجاني سيسي الموقعة على اتفاق الدوحة في 14 يوليو 2011،وهذا ما يفسر عقدها لمؤتمرها العام في منطقة "الحديات" في ولاية جنوب كردفان بينما رشحت انباء ان المؤتمر عقد في مدينة "بور" في جنوب السودان وهي الرواية الرسمية للخرطوم.
المؤتمر العام
التأم المؤتمر العام الاستثنائي السادس لحركة العدل والمساواة 24-25 يناير2012 في منطقة"الحديات" في ولاية جنوب كردفان تحت شعار معاً لانجاز مشروع الشهيد- في اشارة للدكتور خليل ابراهيم بمشاركة " 109"من أعضاء المؤتمر العام و جميع الكليات في ميادين القتال في دارفور وكردفان وشرق السودان , والنازحين واللاجئين والرحل والمرأة والشباب والطلاب.تراس المؤتمر المستشار القانوني ابوبكر القاضي – بحكم المنصب وهو مقيم في العاصمة القطرية الدوحة وكان احد اعضاء الوفد المفاوض للحركة في منبر الدوحة 2009 -2011. اصدر المؤتمر 24 قرارا، تمسك المؤتمرون بهدفهم الاستراتيجي – مشروع الشهيد – باسقاط نظام الحكم في الخرطوم بكل الوسائل السياسية والعسكرية ، والالتزام ببرنامج الجبهة الثورية السودانية – تضم الحركة الشعبية شمال السودان وجناحي حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد محمد نور وميني اركوي ميناوي، والجبهة من بنات افكار الراحل خليل ابراهيم وقد دعا اليها خلال تواجده في منبر الدوحة في ابريل 2010 و قبل خروجه الاخير الى ليبيا. وتمسكت الحركة بمواقف سابقة بتاييدها المحكمة الجنائية الدولية ، التي اصدرت اوامر اعتقال بحق الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، واحمد هارون والي جنوب كردفان وعلي كشيب ابرز قادة الجنجويد- ومحاربة الإفلات من العقاب ومحاسبة كل من أفسد وأجرم في حق الشعب. قضايا السودان القومية كانت حاضرة من خلال التوصية بـ" بإقامة دولة مدنية ديمقراطية يسود فيها حكم القانون وإعمال مبدأ التداول السلمي للسلطة بالطرق السلمية عبر انتخابات حرة ونزيهة واعتبار مبدأ المواطنة أساس للحقوق والواجبات" و" الإلغاء الفوري لكل القوانين المقيدة للحريات في السودان ومنع الاعتقال التحفظي والتأكيد على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان". وابدت قرارات المؤتمر اهتمام بالجوار بالدعوة الى" الحفاظ على العلاقات الطيبة للحركة بشعوب دول الجوار والحفاظ على سياسة حسن الجوار وتطوير العلاقات الخارجية للحركة بكل دول الجوار السوداني والمحيط الإقليمي والدولي" وهذا ابرز تحد تواجهه الحركة خاصة في علاقتها مع "ليبيا الجديدة" بعد اتهام الحركة- من قبل ثوار ليبيا وحكومة الخرطوم - بمشاركة عناصرها الى جانب الكتائب في حماية نظام العقيد الراحل معمر القذافي وايضا تدهور علاقات الحركة مع تشاد في وقت عززت الاخيرة علاقاتها مع الخرطوم سياسيا وعسكريا واجتماعيا من خلال مصاهرة الرئيس التشادي ادريس ديبي لموسى هلال لزعيم المفترض للجنجويد وابرز وجوه قبيلة المحاميد العربية في دارفور. جديد مخرجات هذا المؤتمر هو" إنشاء مجلس ثوري للعمل به في الظروف الطارئة وفقا للنظام الأساسي، ويتكون من رئيس المؤتمر العام ونائبيه ومقرر المجلس التشريعي ورئيس الحركة وأعضاء المكتب التنفيذي، ويرأسه رئيس المؤتمر العام. وابقى المؤتمر على قيادات مؤسسات الحركة في مناصبها التي كانت تتولها من قبل : أبوبكر القاضي رئيسا للمؤتمر العام , والبروفيسور محمود أبكر سليمان نائبا ,معتصم محمد صالح مقررا.انتخاب الدكتور الطاهر ادم الفكي رئيسا للمجلس. وانسجاما مع شعار المؤتمر حمل المشاركون " المؤتمر الوطني مسئولية فتح باب الاغتيالات السياسية ودعوا إلى الثأر لشهيد الهامش السوداني المشير الدكتور خليل إبراهيم محمد والانتصار لقضية الشعب وبسط العدالة والمساواة" و"إقرار المراسيم الرئاسية التي صدرت من رئيس الحركة الشهيد المشير الدكتور خليل ابراهيم محمد"كما قرر المؤتمر العام إعلان يوم 23ديسمبر من كل عام يوما لتكريم شهداء الثورة وهو ما بدا واضحا ترفيع الرتبة العسكرية من فريق اول الى مشير للرئيس الراحل. وهذا الاحتفاء ربما يعود الى الطبيعة الجهادية لدارفور منذ عهد السلطنة ومناصرتها للدولة المهدية ،وايضا كجزء ارث قيادتها في الحركة الاسلامية واحتفائها بـ"الشهداء" وغاب عن قرارات الحركة علاقاتها مع جنوب السودان والجبهة الوطنية العريضة بزعامة علي محمود حسنين وقوى الاجماع الوطني المعارضة لحكم البشير وتضم احزاب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي ، حيث تتهم الحركة بانها ذراعه العسكري، وحزب الامة بزعامة الصادق المهدي الذي وجه انتقادات لضرب الحركة للعاصمة الخرطوم في 2008 بعملية "الذراع الطويل"، والحزب الشيوعي وحزب البعث . وربما كان ذلك لاجل اظهار قوة الحركة واخلاصها لمشروع "المهمشين" وتحالف الجبهة الثورية وان التغيير سياتي من الغرب "دارفور وكردفان" في مواجهة النخبة النيلية الحاكمة.
الثار ام السلام ؟
من الواضح ان المواقف المعلنة لحركة العدل والمساواة في ظل قيادتها الحالية تجنح الى "الثار" وان "حرب الاغتيالات" اشعل فتيلها قتل خليل ابراهيم،وبدات نزعة الانتقام تتصاعد في المواقع الالكترونية- ابرزها موقع الحركة نفسها و سودانيز اونلاين- حيث دعا البعض صراحة الى استهداف "رموز"و"رؤوس" المؤتمر الوطني،وطبع الاحتقان الجهوي مجتمعات السودانيين في المهجر، ما اوقع اشتباكات بين سودانيين في "بريمينغهام" في بريطانيا تبادلت الاطراف الاتهامات حول اسبابه الامر الذي ادى الى تدخل الشرطة البريطانية،ويوضح ذلك غياب الحوار وتصاعد الكراهية والعنف وهو امر ينذر بشرر مستطير . تبني الحركة لخيار اسقاط النظام بكل الوسائل المتاحة ، يعيد الازمة الى بداياتها واعتماد الخيار العسكري، لان "الحكومة السودانية لا تريد حوارا بل انها دمرت بيئة الحوار وخلقت بيئة للثأر والانتقام" بحسب اول تصريح للرئيس المنتخب. وبرغم كل ذلك يرى مراقبون ان الطبيعة المدنية لقيادة الحركة الجديدة،قد يدفعها الى الحوار مع الحكومة، ، وليس من السهل التفاؤل بهذا الاتجاه وخاصة ان الحركة سبق رفضت في مايو 2006 التوقيع على اتفاق ابوجا وعلى اتفاق الدوحة في 2011 واعتبرته لا يحل المشاكل الاساسية لتقاسم السلطة والثروات وانتهاكات حقوق الانسان بالاضافة الى مصير اكثر من 1,8 مليون من النازحين، ورغم كل ذلك فليس في السياسة عدوا دائم،فحرب جنوب السودان – التي كانت توصف بانها اطول حرب القارة الافريقية 1983- 2002 انتهت باتفاقية السلام الشامل لكنها شطرت اكبر بلد الى شطرين . الجلوس الى المفاوضات يتطلب تنازلات متبادلة من الطرفين ، خاصة وانهما جمعهما المشروع الاسلامي، ولكن الحركة فارقته الى "مشروع المهمشين" الذي تبناه زعيمها الراحل خليل ابراهيم لانهاء ما يعتبره مظالم الاقاليم او كما ورد في "الكتاب الاسود" ،وربما استفادت الحركة في مسيرتها من تجربة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الراحل جون قرنق الذي حارب من اجل مشروع "السودان الجديد". تسعى حركة العدل والمساواة من خلال مشروعها لتغييرات جذرية في بنية الدولة السودانية – تفاصيله منشورة في موقع الحركة على الانترنت- وقد عبر البيان الختامي لمؤتمرها الاخير عن هذا المبدا بالسعي لـ"إقامة دولة مدنية ديمقراطية يسود فيها حكم القانون وإعمال مبدأ التداول السلمي للسلطة بالطرق السلمية عبر انتخابات حرة ونزيهة واعتبار مبدأ المواطنة أساس للحقوق والواجبات" وسبق ان واجهت الحركة اسئلة حرجة حول انتماء قادتها الى الحركة الاسلامية باعتبارهم تلاميذ عراب الانقاذ الدكتور حسن الترابي وموقفها من "الدولة الدينية" ،كما يرمي البعض الحركة بـ"الجهوية" ودائما ما تكرر الحركة – كا هو واضح في البيان – انها تسعى الى الحفاظ على قوميتها والاهتمام بالتعبئة السياسية في كل أقاليم السودان وانها ليست حركة جهوية او قبلية او ذراعا عسكريا لحزب المؤتمر الشعبي، وهو ما عبر عنه في ابريل 2010 زعيمها الراحل على طيقته الخاصة "يا جماعة افهمونا .. لم اعد اخوانيا" وزاد" انا مع الدولة المدنية التي تقوم على المواطنة". اي طريق ستسلكه الحركة .. الحرب ام السلام.. هذا ما ستكشفه الايام والحكم على قيادتها الجديدة بالافعال لا الاقوال.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق