معاوية الطيب .. في حضرة مقامك يطيب الجلوس !
استضافنا الزميل معاوية الطيب ليلة أمس الاثنين 21 اغسطس بداره العامرة ، كنا سبعة وثامننا (كلب) ، وتربيته وصحبته هواية تؤهل لجمعيات الرفق بالحيوان في الغرب ، والكلب كان بهيا وباسط ذراعيه ، وما يميزه الوفاء في زمن قل فيه الوفاء ، استقبل معاوية ضيوفه : هاشم كرار ،كبيرنا الذي علمناالصحافة ، وعوض حمزة ، الفارس الذي يمتطي صهوة الكلمة والذي اكتشف درره معاوية ، صاحب الدار ، وعصام بندة المسكون بحب الموردة (الحي والنادي) ، وللموردة نصيب في شعر عبدالرحمن الريح: (ما عندي مانع حتى لو ضيعني ساكن الموردة )وبهاء بكري في هدوئه أسد هصور ومستودع أسرار(حق) ، وراشد خالد ، وفي وداعته سماحة النيل الأبيض ، ومحمد الربيع (ابوعشوشة) الأديب الأريب ، والناقد الفذ ، أحسن معاوية استضافتنا حتى نافس في كرمه وجوده (حاتم الطائي) الذي قال في شعره : أضاحكُ ضيفي قبل إنزال رحله ويُخْصِبُ عندي والمحلُّ جديبُ وما الخِصْبُ للأضيافِ أنْ يكثُرَ القِرى ولكنَّما وَجْهُ الكريمِ خَصيبُنسيت نفسي فقد كنت بينهم ، حاضرا حتى تبدد الوهم وعرفوا فيصل الزبير بلحمه ودمه (يا هو ظاااااطو كما يقول ودهباني ) والعبارة ماركة مسجلة باسمه ، ومعرفة الرجال عندي (شرف كبير) لأنهم أفضل الأصحاب أو كما قال الشاعر الجاهلي عديُّ بن زيد:إذا كنتَ في قومٍ فصاحب خيارهمولا تصحب الأردى فتردى من الرديوبالعدل فانطق إن نطقت ولا تلموذا الذم فأذممه وذا الحمد فاحمدولا تلحُ إلا من ألام ولا تلموبالبذل من شكوى صديقك فامدد نصحتك لا تصحب سوى كل فاضلخليق السجايا بالتعفف والظَّرفِولا تعتمد غير الكرام فواحدٌمن الناس إن حصَّلتَ خيرٌ من الألفِ جلستنا امتدت حتى هزيع الثلث الاخير إلا قليلا ، وأسكرتنا نشوة المعرفة حيث كان الشاعر عمرو بن كلثوم الشاعر المطبوع حاضرا ببيته : ألا هُبّي بصبحكِ فاصبحينا ولا تُبقي خمور الأندريناوطربنا لكلمات جادت بها قرائح الاصحاب الكرام وكان هاشم كرار في لحظات التجلي ينثر الدرر في الحديث عن امدرمان ، وفي دواخلنا نردد كلمات الشاعر عبد المنعم عبد الحي التي تغنى بها احمد المصطفى : أنا امدرمان تامل في نجوعي أنا السودان تمثل في ربوعي انا ابن الشمال سكنته قلبي على ابن الجنوب ضميت ضلوعي انا امدرمان سلوا النيل عني فخير بنيك يا سودان مني غاب عن الجلسة الزميل نادوس ، ولكن ذكرته العطرة كانت حاضرة . نواصل ...تابعونا
________
كان هاشم كرار متألقا ، يقف عند إطلال حزنه القديم و العقل متعجبا ، ومن اهتمامات الاخرين متعلما ويتخير كلماته وهي تتنزل كما الوحي متفكرا ومتدبرا ، تحركه روحه الشفيفة ، ونطرب لكلماته الظريفة ، حتى وجدنا فيها حلاوة ، تحدث كما لم يتحدث من قبل ، كصوفي استثاره خياله فمشى في الليل تداعبه بسمة الطفل الصغير، واحيانا يهمس ويصمت مجترا ذكريات قديمة ، ارتجل كلمة تبني وطنا ، واهدانا بسمة وتبدت امدرمان المدينة الانثى لوحة تجمع تنوع اهلها وهي تماما كما قال ادونيس ( قيمة المدينة ترتفع بقدر ارتباطها بالابداع الانساني) وفي شوارعها التي يشقها الترام كان الخليل يمشي ، وفيها تجلى التجاني يوسف بشير شعرا وكان الصدود نصيب الشاعر ابوصلاح فقد اشاحت "بدور" بوجهها عنه فانشد في حديقة القلعة : العيون النوركن بجهرا غير جمالكن مين السهرا يابدور القلعة وجوهرا اخفي ريدتك مرة واجهرا نار غرامك ربك يقهرا تجاذبنا اطراف الحديث ، ولم يعد الليل طفل يحبو ، وتبارينا في ساحة الكلمة ، وكم كانت دهشتنا ، ان كان عوض حمزة (فارسا) ، يمتلك ناصية الكلام ، يتخير مفرداته ، ويمارس هوايته في التصوير ، فهو مسكون بالجمال ، فالصورة عنده بالف كلمة ، وزاويتها ، تكشف عن عين ثاقبة ، فهو (ثمين) بدرره التي نثرها ، اضحكنا حتى ارتجت اوداجنا ، يسخر حتى من نفسه ، ونافس في ذلك اهلنا الرباطاب ، اماعصام بندة ، فهو معتق بذكريات الموردة ، كان مستمعا جيدا ، وشكل مع هاشم كرار (دويتو) ، يعشق فريق الموردة لكرة القدم ، وانتصاراته ، وشاركه في هذا العشق السرمدي عوض حمزة ، كلماته كانت مموسقة ، وفي ذاكرته تفاصيل لايام خلت مضمخمة برائحة الدعاش ، بينه وهاشم كرار (جدعات) ، كانا يجلسان سويا ، تذكرا سيرة (الهادي الضلالي) ، ابرز شخصيات امدرمان ، واحيانا يصمت وكأن في صمته كلاما ، وخلته يددن في دواخله ببيت (عتيق) يا ناعس الاجفان انا من صفاك مسحور بالله انت ملاك ولامن حسان الحور بهاء بكري ، يأسرك بهدوئه ، وترحابه الجميل، وذاكرته المتقدة ، لاينسى من يلقاه وان طال الزمن ، ذاكرته مخزن لكثير من المواقف ، تحزنه بعضها وتبهره مواقف الرجال ، فالنضال عنده (موقف) ، وكلمة (حق) ، ولذا ظل وسيظل يمسك بجمرة (حق) وفي النفس شئ من حتى وبعض من (ذكريات) في اسمرا والخرطوم ، ادهشني حضوره في مواقف تعرف فيهامعادن الرجال ، ابتدرنا نقاشا قبل 3 سنوات عندما كنت في جريدة الوطن ، ووجدته لايزال ممسكا بذلك الخيط عن تجربة (حق) ، يحفظ للراحل المقيم الخاتم عدلان ودا مقيما ، يستشهد بمواقفه ، يتذكر اقواله ، حقا عرفت بهاء حينما تحدث ، وسيتواصل حديثنا حتما في مساحات اخرى ، وارى ان يوثق علاقته بالراحل المقيم والمبدع مصطفى سيد احمد ، الكتابه مهمة لتوثيق العلاقات الاجتماعية ، فمصطفى كانت له تجربته الاجتماعية في علاقته مع الاخرين ، وفي تجربته مع المرض ، وواجبا علينا ان نوثق لهذه المرحلة فمصطفي ليس( اشرطة كاسيت) وانما قيمة فنية واجتماعية واخلاقية لمن يعرف (الاخلاق) !!
معاوية الطيب كان صاحب العرس وشيخ القبيلة ، اوفى وكفى ، راعى كل الاذواق فهو صاحب (ذوق) رفيع ، مائدته كانت عامره وشرابه كان سلسبيلا ، لعب راشد دورا في اعدادها ، قدم خدمات خمسة نجوم ، كان نصيبي اشهى انواع السمك وهو حسب الطلب ، ( ام فتت) كانت حاضرة ، وسبقتها (مقبلات) و(مشهيات )، بلغة الشوام ، تميزت الجلسة بمشاركة (رفائيل) وحدثتكم عنه في بداية البوست ، فهو صديق معاوية الوفي ، رشيق ، وبياض شعره يميزه ، ليس شراسا ، وصوته ليس نباحا ، مطيع ويسمع الكلام ، يعرف اين يجلس ، في الكنبة او السيارة ، وله طقوسه في ان يظل زجاج السيارة مفتوحا ليمارس هوايته في رصد المارة ، معاوية يلقي النكته على سجيته لاذعة ، (رافائيل) لم يعجبه حد المارة من الاخوة المصريين الذي سأل ده مين ؟ ولم يتردد معاوية ليطلقها ساخرة ولاذعة ( حسني مبارك) فبهت الرجل وقال مش كده ، وللطرفة بقية ، معاوية ليس امدرمانيا ، لكنه يعشقها ، وجزء منها ، ويعتبرونه فردا من عائلة بدري ، وبالطبع في ذاكرته حكايات وحكايات وكنا نريدها تترى على لسانه ولكنه فضل ان يكرم ضيوفه . وبددت دهشته حينما شرفته بالزيارة وكان ، هو وغيره من بعض البورداب ،يعتقدون انني شخصية (لاوجود لها) في المنبر، وبسبب كلمة حدث لبس صححه الاخوة فعرفت كل الحقيقة بفضل(بركات) الجلسة .
دار حيث بين (الدويتو ) ..هاشم : أنت من ناس امدرمان بندة : ايوة وبعرف كل ناسها هاشم : بتعرف تمبوشة في الموردة بندة : ياااااخي .. تمبوشة مااااا ماتت .. الفاتحة وهنا سجلت عدسة المبدع عوض حمزة اللحظة الحزينة ، هاشم وبندة ومعاوية يرفعون الأكف بالفاتحة وأكاد اجزم إن دمعة طفرت من عيونهم الباكية !! من هي تمبوشة . وما هي قصتها ؟ وهنا يروي هاشم حكايتها !!يبدأ هاشم بصوته المميز وهنا أدرت جهاز التسجيل لنقل وقائع قصة تعود إلى السبعينيات عندما كان السودان صحو من قاع امدرمان تلك المدينة الأنثى : هاشم : أحييكم ... ولا ادري ما الذي سلط علي فيصل خالد ، هذا الجميل علي إنني لأخشى إن يصبح مثل عمر الجزلي وأصير أنا من ضمن مراحيم برنامجه (أسماء في حياتنا) .. يضحك هاشم .. ها ..هاها ..ها . عموما تمبوشة كانت معلما من معالم مدينة امدرمان أو كما قال الأخ فيصل كانت من معالم قاع مدينة امدرمان , كانت إمراة جميلة بصورة مدهشة ، وكان بيتها ملتقى للكثير جدا من الذين يحاولون إن يتعبأوا بالفرح المعبأ ، هذه القصة كتبتها في أواخر الثمانينات ونشرت في جريدة الأيام وكانت بعنوان (تلك الأشياء) !صديقي اسعد : يبدو إن رسالتي إليك قد طالت ، عفوا صديقي اسعد .. سلامات يبدو إن رسالتي إليك لم تصل بعد .. لانك كتبت لي تستعجلني الحضور إليك في السعودية لأعمل معكم موظفا .. والملم كما قلت في رسالتك الرقيقة ، قرش قرشين وأتزوج حبيبتي .. أتزوج ماذا ؟ آه آه يا اسعد .لقد أوضحت لك في رسالتي السابقة كل التطورات المؤلمة والفاجعة التي حدثت بالنسبة لي .. قلت لك إن حبيبتي ، أخيرا وبعد خمس سنوات من اللحظات الجميلة ، اختارت الحب المبني على الأرقام ، وتزوجت سيارة ، ومنزلا أنيقا ، وحسابا جاريا في احد البنوك ، .. وكان الجرح عميقا وغائرا ولا يزال ، ولكن الصقر إن وقع كتر البتابت عيب . نزفت في صمت بكيت دون ضجة وكرهت إن أكون مجرد ذكرى في حياة إنسان .فأرسلت إليها أشيائها .. الصور والخطابات .. أشرطة الكاسيت ..و..و..و . كانت الدبلة التي البستنيها قبل أربع سنوات ، في تلك الأمسية الرائعة التي حدثتكم عنها , تحيط أصبعي حتى أمس .. فقد فشلت تماما طيلة خمسة أشهر كاملة إن انتزعها أحيانا .. إزاء الأشياء التافهة في نظر البعض نحن مطالبون يا اسعد بكميات .. بكميات من الشجاعة .. ولكن الشجاعة .. الشجاعة .. وجدت نفسي أخيرا أمام باب خشبي عتيق .. اختزنت ملامحه في ذاكرتي أعوام وأعوام .. دلفت إلى الداخل استقبلتني رائحة قديمة تعود تعودتها خياشيمي من قبل .. كانت خليطا من رائحة التبغ الرخيص والعرقي والمشك وأنفاس الناس المخمورين في الداخل .. والتيس المربوط هناك في الزريبة . السلام عليكم : لدهشتي .. تب عبد الملك عند سماع صوتي واقفا .. استحالت الكؤوس التي اكترعتها ، منذ مغيب الشمس إلى اللحظة التي راني فيها ، استحالت إلى فرحة طفل يكتب لأول مرة اسمه فوق كراسة المدرسة لأول مرة . رحب بي في حرارة وهو يقول : من شرب من عرقي تمبوشة مرة .. دلقت سريعا الكأس في جوفي وأكملت : لابد إن يجئ ويفتش عن بصيص من الشجاعة ..ضحك .. وكان عبد الملك لا يزال عبد الملك .. نفس البشاشة الآسرة .. نفس الجلابية ذات الياقة .. نفس الطريقة الفنانة في الصمت .. ضحك والكلام بدا لي وقتذاك إن الانغماس في الشراب والظلمة والعرقي والنتانة هو الشئ الوحيد الذي يبقينا نحن كما نحن ..جاءني مزمل وقدم لي هو الأخر كأسا .. ثم من داخل الحجرة الطينية المظلمة جاءت تمبوشة تتبسم .. وقبل إن تطوقني بزراعيها .. اجل بزراعيها يا اسعد تكتكت بالضحك : الليلة من يا هاشم القشا ليك الدرب . رمقت سريعا كفي اليمنى وقلت لها وأنا أكرف عبيرها الفواح : الحي مصيرو يلاقي يا تمبوشة .. وقعدت في طرف العنقريب القديم جوار الحائط .. حومت عيوني في الأشياء .. كانت كما هي كرسيها ذاك المنسوج من الحبال .. البنابر التي شهدت قعداتنا .. الراكوبة القصيرة التي حشيت أطرافها بالملابس القديمة .. والتيس المربوط هناك في الزريبة كان ما يزال يخش الأرض ويرمق الندامى بعينيه المحمرتين .. وتمشت تمبوشة إلى داخل الحجرة لتأتي بالعرقي .. وتمشت وراءها عيوني .. كانت تمبوشة كما رايتها أنت يا اسعد لأول مرة .. قامتها مديدة ...وهيطة .. رويانة .. يداها مندوعتان .. بشرتها مثل لون البن المقلي بالسكر .. جلها ناعم .. لامع أملس كفركه قرمصيص وتركزت نظراتي أخيرا قبل إن تغيب في داخل الحجرة فوق عجيزتها المدملجة تماما يا اسعد .. تما ما يا اسعد مثلما كانت نظراتنا تلتقي جميعا في ذات الموقع من جسدها قبل أربع سنوات حينما كنا نرتاد هذا المكان في الأمسيات .. كان يحلو لي وقتذاك وأنا أحس دملجة عجيزتها نشافا في حلقي .. أكولة في راحة يدي .. ازديادا في إفراز العرق في جسدي ... كان يحلو لي أصوركم انتم (شلة العقارب ) واحدا واحدا متلبسين في ذات الجريمة . كنت أنت تتحسس بيديك طلائع الصلع المبكر الذي كان قد بدأ يغزو وقتذاك القطاع الأمامي والأوسط من راسك .. عووضة التلب .. ينتف شعر شاربه بيد اليسرى شعره شعره . .. حامد يكف فجأة عن فلسفة الأشياء ويتطاول بقامته القميئة من فوق البمبر .. اخو التومات يرشق في جوفه كأسا من العرقي .. تأبط شرا يفتح ما تبقى من حقه التمباك .. ويفضحنا جميعا التيس المربوط في الزريبة حينما ينتفض فجأة ويروح في نوبة لبلبلة متواصلة .. لب لب لب . واختلط في حلقي طعم التبغ المر بطعم العرقي وطعم الملوحة في خشمي وتمازجت الطعوم .. تجانست .. توحدت و أصبحت طعما واحدا .. هو طعم أخر يوم من الأشهر الأخيرة .. وراحت الخمر تدب في عظامي تمشي .. تركض وتركض معها هناك تلا فيف ذاكرتي .. تلكم الأمسية الرائعة التي حدثتكم عنها .. آه آه .. أدخلت , أدخلت الدبلة في أصبع كفي اليمنى رويدا رويدا قالت لي وملامحها الطفلة تترى عشقا وبوحا وبراح .. مبروووك أأأخطبك قلت لها وكفي تنوم في كفها .. خلاص اقتنعي يا إلطاف شع ثغرها وأجابت : جدا .. جدا يا هاشم ضغط كفها في رفق وحنين وقلت لها وان أتملأ عينيها الجميلتين : طيب أؤكد بأنني لن اخرج هذه الدبلة من أصبعي حتى تستبدلينها من أصبعي أنتي يا إلطاف بالدبلة الأصلية في يوم خطوبتنا . للقصة بقية تابعونا ................!
ولبلب التيس داخل الزريبة بلهاة شبقه لأفيق على صوت واهم مخمور ينم .. يجر الدوباي في قلب الظلمة .. شيلوا الصبر ختو الأمر للهادي والمقدودة تب ما عدمت الرفاي . شخصت في الصوت بذاكرتي لاتبين ملامحه .. كان أشعثا اغبرا معفرا متعبا من طول لج في الأيام والدنيا .. انه صوت عمك رمضان الذي يقبع هناك داخل الراكوبة هيكلا من العظام والعرقي والتمباك والاحباطات .و خطر لي لأول وهلة إن أثب إليه واقبضه من تلابيبه بكلتا يدي ... اصرخ في وجهه وانتهره .. كفى ... كفى .. فانت تكذب .. تكذب حتى على نفسك .. كانت تلك الاجساد يا اسعد كل منها يعاني احتضاره وجحيمه .. مزمل يشخر شخيرات متقطعة .. يفقيق .. يبصق .. ينشف كبده بصوت من العرقي .. يدبغ شفتيه ولثته ولسانه بسفة من التمباك .. عبد الملك يحقن عروقه بالسم الهاري .. يكح .. يسعل .. يمسك راسه بكلتا يديه .. يتفرس بعينيه الضيقتين في الزمن .. وتمبوشة تستلقي بجلنبي فوق العنقريب المهلهل .. زجاجة من عرقي التمر البكر .. شطة وحواحه .. فول حاجات .. وانا قاعد وقد فكت من اعماقي سكره البارحه .. واعاني ايضا احتضار جحيمي .. في مسيس الحاجة الان الى شراب جديد من نوع اخر لعله يكون اشهى وارخص وأمر شراب اتلمطه في غبطه وقرف وتعاسة ولا افيق من سكرتي اطلاقا .. اكترعت الكأس الواحد والعشرين ... انسل الى داخل جوفي كالفجيعة .. أوووف .. عرقي كافر .. بصقت .. خرشت عود كبريت تراقص بصيص ضوئه في قلب العتمة مخمورا وتفرست تمبوشة .. كانت تتوسد ساعدها الايمن ساقيها الممتلئتان مدتا في استرخا كسول .. عجيزتها تتكوم هناك .. تترجرج هناك بين الفينة والفينة فوق مرق العنقريب .. نظرت اليها .. بادلتني هي النظرة .. امسكت يدي وراحت تعابث اصابعي .. اصبعا ... اصبعا .. وانا امسح براحة يدي اليسر عنقها وخدها وجبينها .. فاجأتني بالسؤال - الدبلة دهب ؟ قلت لها سريع : لا ضحكت وقالت : موضة قديمة .. اقلعها ! وأنا أحس بالدبلة تسل رويدا رويدا من اصبعي .. ووحشة مشققة القدمين .. طويلة الاظافر تجوس في دهاليز روحي .. اعتصرت يدها . فالتمع ثغرها البازنجاني عن اسنان مفلجة بيضاء .. جاءني صوتها نقيا مقعرا صافيا يلسغ نغمة ممراحة : سنة !! ونحن في اول سلالم الصعود الى اسفل انبثقت فوضى في جوف الظلمة كالشعفوفة .. صوت صفيحة ترتطم بشئ حاد .. سائل يندلق .. كرسي يتهاوى .. جسم ثقيل يرز وينقر فوق الارض .. انتفضت تمبوشة واقفة .. تحفزت في قعدتي .. حدقنا سويا في الظلام .. كان هناك كالعفنة في مركز الفوضى .. اسود كثيف الشعر ... محمر العينيين .. يلبلب في صوت اخرش .. لبلب لبلب .ووب علي التيس انفك !! قذفتها سريعا من فمها وجرت تحوشه ، وهي تستنجد بي ومزمل وعبد الملك وعمك رمضان .. وثبنا .. تحلقنا حوله متحفزين .. تحفز هو الاخر .. رمقنا هو الاخر بنظرة ملتهبة قاسية اطارت مافي رؤوسنا .. تلفت بجمجمه في عنجهية رهيبة .. يمنى ويسرى ،.. تسلق الهواء برجليه الاماميتين .. نقر نقرتين .. قفز فوق العنقريب .. نطح تمبوشة .. بطحها ارضا .. اندفع وهو يلبلب .. ارتطم بعمك رمضان وعبد الملك يرتطم بخشم الباب الخسبي الضيق كأنما هو على موعد مسبق ليضاجع مراحا كاملا للاغنام في الشارع .. صديقي اسعد... يبدو إن رسالتي اليك قد طالت ... لكن يؤسفني إن اقول لك بانني لم اتمكن من الحضور اليكم في السعودية لاعمل معكم موظفا والملم – كما قلت لي في رسالتك الرقيقة – قرش قرشين واكيد سوف تتلمس ماتبقى من شعر راسك .. تدخل يديك في جيوبك تفتش عبثا عن حقة تمباكك .. تسالني وكرشك تختج بالضحك المتقطع : شنو يا ابو الهشم يا اخي خلاص بديت تفكر بعقلية التيوس .. عموما اختم هذا الموضوع في بيت تمبوشة لك يا اسعد تحيات كل ناس امدرمان !!
الدوحة 22- 8 - 2006
استضافنا الزميل معاوية الطيب ليلة أمس الاثنين 21 اغسطس بداره العامرة ، كنا سبعة وثامننا (كلب) ، وتربيته وصحبته هواية تؤهل لجمعيات الرفق بالحيوان في الغرب ، والكلب كان بهيا وباسط ذراعيه ، وما يميزه الوفاء في زمن قل فيه الوفاء ، استقبل معاوية ضيوفه : هاشم كرار ،كبيرنا الذي علمناالصحافة ، وعوض حمزة ، الفارس الذي يمتطي صهوة الكلمة والذي اكتشف درره معاوية ، صاحب الدار ، وعصام بندة المسكون بحب الموردة (الحي والنادي) ، وللموردة نصيب في شعر عبدالرحمن الريح: (ما عندي مانع حتى لو ضيعني ساكن الموردة )وبهاء بكري في هدوئه أسد هصور ومستودع أسرار(حق) ، وراشد خالد ، وفي وداعته سماحة النيل الأبيض ، ومحمد الربيع (ابوعشوشة) الأديب الأريب ، والناقد الفذ ، أحسن معاوية استضافتنا حتى نافس في كرمه وجوده (حاتم الطائي) الذي قال في شعره : أضاحكُ ضيفي قبل إنزال رحله ويُخْصِبُ عندي والمحلُّ جديبُ وما الخِصْبُ للأضيافِ أنْ يكثُرَ القِرى ولكنَّما وَجْهُ الكريمِ خَصيبُنسيت نفسي فقد كنت بينهم ، حاضرا حتى تبدد الوهم وعرفوا فيصل الزبير بلحمه ودمه (يا هو ظاااااطو كما يقول ودهباني ) والعبارة ماركة مسجلة باسمه ، ومعرفة الرجال عندي (شرف كبير) لأنهم أفضل الأصحاب أو كما قال الشاعر الجاهلي عديُّ بن زيد:إذا كنتَ في قومٍ فصاحب خيارهمولا تصحب الأردى فتردى من الرديوبالعدل فانطق إن نطقت ولا تلموذا الذم فأذممه وذا الحمد فاحمدولا تلحُ إلا من ألام ولا تلموبالبذل من شكوى صديقك فامدد نصحتك لا تصحب سوى كل فاضلخليق السجايا بالتعفف والظَّرفِولا تعتمد غير الكرام فواحدٌمن الناس إن حصَّلتَ خيرٌ من الألفِ جلستنا امتدت حتى هزيع الثلث الاخير إلا قليلا ، وأسكرتنا نشوة المعرفة حيث كان الشاعر عمرو بن كلثوم الشاعر المطبوع حاضرا ببيته : ألا هُبّي بصبحكِ فاصبحينا ولا تُبقي خمور الأندريناوطربنا لكلمات جادت بها قرائح الاصحاب الكرام وكان هاشم كرار في لحظات التجلي ينثر الدرر في الحديث عن امدرمان ، وفي دواخلنا نردد كلمات الشاعر عبد المنعم عبد الحي التي تغنى بها احمد المصطفى : أنا امدرمان تامل في نجوعي أنا السودان تمثل في ربوعي انا ابن الشمال سكنته قلبي على ابن الجنوب ضميت ضلوعي انا امدرمان سلوا النيل عني فخير بنيك يا سودان مني غاب عن الجلسة الزميل نادوس ، ولكن ذكرته العطرة كانت حاضرة . نواصل ...تابعونا
________
كان هاشم كرار متألقا ، يقف عند إطلال حزنه القديم و العقل متعجبا ، ومن اهتمامات الاخرين متعلما ويتخير كلماته وهي تتنزل كما الوحي متفكرا ومتدبرا ، تحركه روحه الشفيفة ، ونطرب لكلماته الظريفة ، حتى وجدنا فيها حلاوة ، تحدث كما لم يتحدث من قبل ، كصوفي استثاره خياله فمشى في الليل تداعبه بسمة الطفل الصغير، واحيانا يهمس ويصمت مجترا ذكريات قديمة ، ارتجل كلمة تبني وطنا ، واهدانا بسمة وتبدت امدرمان المدينة الانثى لوحة تجمع تنوع اهلها وهي تماما كما قال ادونيس ( قيمة المدينة ترتفع بقدر ارتباطها بالابداع الانساني) وفي شوارعها التي يشقها الترام كان الخليل يمشي ، وفيها تجلى التجاني يوسف بشير شعرا وكان الصدود نصيب الشاعر ابوصلاح فقد اشاحت "بدور" بوجهها عنه فانشد في حديقة القلعة : العيون النوركن بجهرا غير جمالكن مين السهرا يابدور القلعة وجوهرا اخفي ريدتك مرة واجهرا نار غرامك ربك يقهرا تجاذبنا اطراف الحديث ، ولم يعد الليل طفل يحبو ، وتبارينا في ساحة الكلمة ، وكم كانت دهشتنا ، ان كان عوض حمزة (فارسا) ، يمتلك ناصية الكلام ، يتخير مفرداته ، ويمارس هوايته في التصوير ، فهو مسكون بالجمال ، فالصورة عنده بالف كلمة ، وزاويتها ، تكشف عن عين ثاقبة ، فهو (ثمين) بدرره التي نثرها ، اضحكنا حتى ارتجت اوداجنا ، يسخر حتى من نفسه ، ونافس في ذلك اهلنا الرباطاب ، اماعصام بندة ، فهو معتق بذكريات الموردة ، كان مستمعا جيدا ، وشكل مع هاشم كرار (دويتو) ، يعشق فريق الموردة لكرة القدم ، وانتصاراته ، وشاركه في هذا العشق السرمدي عوض حمزة ، كلماته كانت مموسقة ، وفي ذاكرته تفاصيل لايام خلت مضمخمة برائحة الدعاش ، بينه وهاشم كرار (جدعات) ، كانا يجلسان سويا ، تذكرا سيرة (الهادي الضلالي) ، ابرز شخصيات امدرمان ، واحيانا يصمت وكأن في صمته كلاما ، وخلته يددن في دواخله ببيت (عتيق) يا ناعس الاجفان انا من صفاك مسحور بالله انت ملاك ولامن حسان الحور بهاء بكري ، يأسرك بهدوئه ، وترحابه الجميل، وذاكرته المتقدة ، لاينسى من يلقاه وان طال الزمن ، ذاكرته مخزن لكثير من المواقف ، تحزنه بعضها وتبهره مواقف الرجال ، فالنضال عنده (موقف) ، وكلمة (حق) ، ولذا ظل وسيظل يمسك بجمرة (حق) وفي النفس شئ من حتى وبعض من (ذكريات) في اسمرا والخرطوم ، ادهشني حضوره في مواقف تعرف فيهامعادن الرجال ، ابتدرنا نقاشا قبل 3 سنوات عندما كنت في جريدة الوطن ، ووجدته لايزال ممسكا بذلك الخيط عن تجربة (حق) ، يحفظ للراحل المقيم الخاتم عدلان ودا مقيما ، يستشهد بمواقفه ، يتذكر اقواله ، حقا عرفت بهاء حينما تحدث ، وسيتواصل حديثنا حتما في مساحات اخرى ، وارى ان يوثق علاقته بالراحل المقيم والمبدع مصطفى سيد احمد ، الكتابه مهمة لتوثيق العلاقات الاجتماعية ، فمصطفى كانت له تجربته الاجتماعية في علاقته مع الاخرين ، وفي تجربته مع المرض ، وواجبا علينا ان نوثق لهذه المرحلة فمصطفي ليس( اشرطة كاسيت) وانما قيمة فنية واجتماعية واخلاقية لمن يعرف (الاخلاق) !!
معاوية الطيب كان صاحب العرس وشيخ القبيلة ، اوفى وكفى ، راعى كل الاذواق فهو صاحب (ذوق) رفيع ، مائدته كانت عامره وشرابه كان سلسبيلا ، لعب راشد دورا في اعدادها ، قدم خدمات خمسة نجوم ، كان نصيبي اشهى انواع السمك وهو حسب الطلب ، ( ام فتت) كانت حاضرة ، وسبقتها (مقبلات) و(مشهيات )، بلغة الشوام ، تميزت الجلسة بمشاركة (رفائيل) وحدثتكم عنه في بداية البوست ، فهو صديق معاوية الوفي ، رشيق ، وبياض شعره يميزه ، ليس شراسا ، وصوته ليس نباحا ، مطيع ويسمع الكلام ، يعرف اين يجلس ، في الكنبة او السيارة ، وله طقوسه في ان يظل زجاج السيارة مفتوحا ليمارس هوايته في رصد المارة ، معاوية يلقي النكته على سجيته لاذعة ، (رافائيل) لم يعجبه حد المارة من الاخوة المصريين الذي سأل ده مين ؟ ولم يتردد معاوية ليطلقها ساخرة ولاذعة ( حسني مبارك) فبهت الرجل وقال مش كده ، وللطرفة بقية ، معاوية ليس امدرمانيا ، لكنه يعشقها ، وجزء منها ، ويعتبرونه فردا من عائلة بدري ، وبالطبع في ذاكرته حكايات وحكايات وكنا نريدها تترى على لسانه ولكنه فضل ان يكرم ضيوفه . وبددت دهشته حينما شرفته بالزيارة وكان ، هو وغيره من بعض البورداب ،يعتقدون انني شخصية (لاوجود لها) في المنبر، وبسبب كلمة حدث لبس صححه الاخوة فعرفت كل الحقيقة بفضل(بركات) الجلسة .
دار حيث بين (الدويتو ) ..هاشم : أنت من ناس امدرمان بندة : ايوة وبعرف كل ناسها هاشم : بتعرف تمبوشة في الموردة بندة : ياااااخي .. تمبوشة مااااا ماتت .. الفاتحة وهنا سجلت عدسة المبدع عوض حمزة اللحظة الحزينة ، هاشم وبندة ومعاوية يرفعون الأكف بالفاتحة وأكاد اجزم إن دمعة طفرت من عيونهم الباكية !! من هي تمبوشة . وما هي قصتها ؟ وهنا يروي هاشم حكايتها !!يبدأ هاشم بصوته المميز وهنا أدرت جهاز التسجيل لنقل وقائع قصة تعود إلى السبعينيات عندما كان السودان صحو من قاع امدرمان تلك المدينة الأنثى : هاشم : أحييكم ... ولا ادري ما الذي سلط علي فيصل خالد ، هذا الجميل علي إنني لأخشى إن يصبح مثل عمر الجزلي وأصير أنا من ضمن مراحيم برنامجه (أسماء في حياتنا) .. يضحك هاشم .. ها ..هاها ..ها . عموما تمبوشة كانت معلما من معالم مدينة امدرمان أو كما قال الأخ فيصل كانت من معالم قاع مدينة امدرمان , كانت إمراة جميلة بصورة مدهشة ، وكان بيتها ملتقى للكثير جدا من الذين يحاولون إن يتعبأوا بالفرح المعبأ ، هذه القصة كتبتها في أواخر الثمانينات ونشرت في جريدة الأيام وكانت بعنوان (تلك الأشياء) !صديقي اسعد : يبدو إن رسالتي إليك قد طالت ، عفوا صديقي اسعد .. سلامات يبدو إن رسالتي إليك لم تصل بعد .. لانك كتبت لي تستعجلني الحضور إليك في السعودية لأعمل معكم موظفا .. والملم كما قلت في رسالتك الرقيقة ، قرش قرشين وأتزوج حبيبتي .. أتزوج ماذا ؟ آه آه يا اسعد .لقد أوضحت لك في رسالتي السابقة كل التطورات المؤلمة والفاجعة التي حدثت بالنسبة لي .. قلت لك إن حبيبتي ، أخيرا وبعد خمس سنوات من اللحظات الجميلة ، اختارت الحب المبني على الأرقام ، وتزوجت سيارة ، ومنزلا أنيقا ، وحسابا جاريا في احد البنوك ، .. وكان الجرح عميقا وغائرا ولا يزال ، ولكن الصقر إن وقع كتر البتابت عيب . نزفت في صمت بكيت دون ضجة وكرهت إن أكون مجرد ذكرى في حياة إنسان .فأرسلت إليها أشيائها .. الصور والخطابات .. أشرطة الكاسيت ..و..و..و . كانت الدبلة التي البستنيها قبل أربع سنوات ، في تلك الأمسية الرائعة التي حدثتكم عنها , تحيط أصبعي حتى أمس .. فقد فشلت تماما طيلة خمسة أشهر كاملة إن انتزعها أحيانا .. إزاء الأشياء التافهة في نظر البعض نحن مطالبون يا اسعد بكميات .. بكميات من الشجاعة .. ولكن الشجاعة .. الشجاعة .. وجدت نفسي أخيرا أمام باب خشبي عتيق .. اختزنت ملامحه في ذاكرتي أعوام وأعوام .. دلفت إلى الداخل استقبلتني رائحة قديمة تعود تعودتها خياشيمي من قبل .. كانت خليطا من رائحة التبغ الرخيص والعرقي والمشك وأنفاس الناس المخمورين في الداخل .. والتيس المربوط هناك في الزريبة . السلام عليكم : لدهشتي .. تب عبد الملك عند سماع صوتي واقفا .. استحالت الكؤوس التي اكترعتها ، منذ مغيب الشمس إلى اللحظة التي راني فيها ، استحالت إلى فرحة طفل يكتب لأول مرة اسمه فوق كراسة المدرسة لأول مرة . رحب بي في حرارة وهو يقول : من شرب من عرقي تمبوشة مرة .. دلقت سريعا الكأس في جوفي وأكملت : لابد إن يجئ ويفتش عن بصيص من الشجاعة ..ضحك .. وكان عبد الملك لا يزال عبد الملك .. نفس البشاشة الآسرة .. نفس الجلابية ذات الياقة .. نفس الطريقة الفنانة في الصمت .. ضحك والكلام بدا لي وقتذاك إن الانغماس في الشراب والظلمة والعرقي والنتانة هو الشئ الوحيد الذي يبقينا نحن كما نحن ..جاءني مزمل وقدم لي هو الأخر كأسا .. ثم من داخل الحجرة الطينية المظلمة جاءت تمبوشة تتبسم .. وقبل إن تطوقني بزراعيها .. اجل بزراعيها يا اسعد تكتكت بالضحك : الليلة من يا هاشم القشا ليك الدرب . رمقت سريعا كفي اليمنى وقلت لها وأنا أكرف عبيرها الفواح : الحي مصيرو يلاقي يا تمبوشة .. وقعدت في طرف العنقريب القديم جوار الحائط .. حومت عيوني في الأشياء .. كانت كما هي كرسيها ذاك المنسوج من الحبال .. البنابر التي شهدت قعداتنا .. الراكوبة القصيرة التي حشيت أطرافها بالملابس القديمة .. والتيس المربوط هناك في الزريبة كان ما يزال يخش الأرض ويرمق الندامى بعينيه المحمرتين .. وتمشت تمبوشة إلى داخل الحجرة لتأتي بالعرقي .. وتمشت وراءها عيوني .. كانت تمبوشة كما رايتها أنت يا اسعد لأول مرة .. قامتها مديدة ...وهيطة .. رويانة .. يداها مندوعتان .. بشرتها مثل لون البن المقلي بالسكر .. جلها ناعم .. لامع أملس كفركه قرمصيص وتركزت نظراتي أخيرا قبل إن تغيب في داخل الحجرة فوق عجيزتها المدملجة تماما يا اسعد .. تما ما يا اسعد مثلما كانت نظراتنا تلتقي جميعا في ذات الموقع من جسدها قبل أربع سنوات حينما كنا نرتاد هذا المكان في الأمسيات .. كان يحلو لي وقتذاك وأنا أحس دملجة عجيزتها نشافا في حلقي .. أكولة في راحة يدي .. ازديادا في إفراز العرق في جسدي ... كان يحلو لي أصوركم انتم (شلة العقارب ) واحدا واحدا متلبسين في ذات الجريمة . كنت أنت تتحسس بيديك طلائع الصلع المبكر الذي كان قد بدأ يغزو وقتذاك القطاع الأمامي والأوسط من راسك .. عووضة التلب .. ينتف شعر شاربه بيد اليسرى شعره شعره . .. حامد يكف فجأة عن فلسفة الأشياء ويتطاول بقامته القميئة من فوق البمبر .. اخو التومات يرشق في جوفه كأسا من العرقي .. تأبط شرا يفتح ما تبقى من حقه التمباك .. ويفضحنا جميعا التيس المربوط في الزريبة حينما ينتفض فجأة ويروح في نوبة لبلبلة متواصلة .. لب لب لب . واختلط في حلقي طعم التبغ المر بطعم العرقي وطعم الملوحة في خشمي وتمازجت الطعوم .. تجانست .. توحدت و أصبحت طعما واحدا .. هو طعم أخر يوم من الأشهر الأخيرة .. وراحت الخمر تدب في عظامي تمشي .. تركض وتركض معها هناك تلا فيف ذاكرتي .. تلكم الأمسية الرائعة التي حدثتكم عنها .. آه آه .. أدخلت , أدخلت الدبلة في أصبع كفي اليمنى رويدا رويدا قالت لي وملامحها الطفلة تترى عشقا وبوحا وبراح .. مبروووك أأأخطبك قلت لها وكفي تنوم في كفها .. خلاص اقتنعي يا إلطاف شع ثغرها وأجابت : جدا .. جدا يا هاشم ضغط كفها في رفق وحنين وقلت لها وان أتملأ عينيها الجميلتين : طيب أؤكد بأنني لن اخرج هذه الدبلة من أصبعي حتى تستبدلينها من أصبعي أنتي يا إلطاف بالدبلة الأصلية في يوم خطوبتنا . للقصة بقية تابعونا ................!
ولبلب التيس داخل الزريبة بلهاة شبقه لأفيق على صوت واهم مخمور ينم .. يجر الدوباي في قلب الظلمة .. شيلوا الصبر ختو الأمر للهادي والمقدودة تب ما عدمت الرفاي . شخصت في الصوت بذاكرتي لاتبين ملامحه .. كان أشعثا اغبرا معفرا متعبا من طول لج في الأيام والدنيا .. انه صوت عمك رمضان الذي يقبع هناك داخل الراكوبة هيكلا من العظام والعرقي والتمباك والاحباطات .و خطر لي لأول وهلة إن أثب إليه واقبضه من تلابيبه بكلتا يدي ... اصرخ في وجهه وانتهره .. كفى ... كفى .. فانت تكذب .. تكذب حتى على نفسك .. كانت تلك الاجساد يا اسعد كل منها يعاني احتضاره وجحيمه .. مزمل يشخر شخيرات متقطعة .. يفقيق .. يبصق .. ينشف كبده بصوت من العرقي .. يدبغ شفتيه ولثته ولسانه بسفة من التمباك .. عبد الملك يحقن عروقه بالسم الهاري .. يكح .. يسعل .. يمسك راسه بكلتا يديه .. يتفرس بعينيه الضيقتين في الزمن .. وتمبوشة تستلقي بجلنبي فوق العنقريب المهلهل .. زجاجة من عرقي التمر البكر .. شطة وحواحه .. فول حاجات .. وانا قاعد وقد فكت من اعماقي سكره البارحه .. واعاني ايضا احتضار جحيمي .. في مسيس الحاجة الان الى شراب جديد من نوع اخر لعله يكون اشهى وارخص وأمر شراب اتلمطه في غبطه وقرف وتعاسة ولا افيق من سكرتي اطلاقا .. اكترعت الكأس الواحد والعشرين ... انسل الى داخل جوفي كالفجيعة .. أوووف .. عرقي كافر .. بصقت .. خرشت عود كبريت تراقص بصيص ضوئه في قلب العتمة مخمورا وتفرست تمبوشة .. كانت تتوسد ساعدها الايمن ساقيها الممتلئتان مدتا في استرخا كسول .. عجيزتها تتكوم هناك .. تترجرج هناك بين الفينة والفينة فوق مرق العنقريب .. نظرت اليها .. بادلتني هي النظرة .. امسكت يدي وراحت تعابث اصابعي .. اصبعا ... اصبعا .. وانا امسح براحة يدي اليسر عنقها وخدها وجبينها .. فاجأتني بالسؤال - الدبلة دهب ؟ قلت لها سريع : لا ضحكت وقالت : موضة قديمة .. اقلعها ! وأنا أحس بالدبلة تسل رويدا رويدا من اصبعي .. ووحشة مشققة القدمين .. طويلة الاظافر تجوس في دهاليز روحي .. اعتصرت يدها . فالتمع ثغرها البازنجاني عن اسنان مفلجة بيضاء .. جاءني صوتها نقيا مقعرا صافيا يلسغ نغمة ممراحة : سنة !! ونحن في اول سلالم الصعود الى اسفل انبثقت فوضى في جوف الظلمة كالشعفوفة .. صوت صفيحة ترتطم بشئ حاد .. سائل يندلق .. كرسي يتهاوى .. جسم ثقيل يرز وينقر فوق الارض .. انتفضت تمبوشة واقفة .. تحفزت في قعدتي .. حدقنا سويا في الظلام .. كان هناك كالعفنة في مركز الفوضى .. اسود كثيف الشعر ... محمر العينيين .. يلبلب في صوت اخرش .. لبلب لبلب .ووب علي التيس انفك !! قذفتها سريعا من فمها وجرت تحوشه ، وهي تستنجد بي ومزمل وعبد الملك وعمك رمضان .. وثبنا .. تحلقنا حوله متحفزين .. تحفز هو الاخر .. رمقنا هو الاخر بنظرة ملتهبة قاسية اطارت مافي رؤوسنا .. تلفت بجمجمه في عنجهية رهيبة .. يمنى ويسرى ،.. تسلق الهواء برجليه الاماميتين .. نقر نقرتين .. قفز فوق العنقريب .. نطح تمبوشة .. بطحها ارضا .. اندفع وهو يلبلب .. ارتطم بعمك رمضان وعبد الملك يرتطم بخشم الباب الخسبي الضيق كأنما هو على موعد مسبق ليضاجع مراحا كاملا للاغنام في الشارع .. صديقي اسعد... يبدو إن رسالتي اليك قد طالت ... لكن يؤسفني إن اقول لك بانني لم اتمكن من الحضور اليكم في السعودية لاعمل معكم موظفا والملم – كما قلت لي في رسالتك الرقيقة – قرش قرشين واكيد سوف تتلمس ماتبقى من شعر راسك .. تدخل يديك في جيوبك تفتش عبثا عن حقة تمباكك .. تسالني وكرشك تختج بالضحك المتقطع : شنو يا ابو الهشم يا اخي خلاص بديت تفكر بعقلية التيوس .. عموما اختم هذا الموضوع في بيت تمبوشة لك يا اسعد تحيات كل ناس امدرمان !!
الدوحة 22- 8 - 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق