الأربعاء، 13 أبريل 2011

فجرالحرية الى وأد الديمقراطية :6 ابريل 1985 – 30 يونيو 1989 – الحلقة الاولى

تاريخان شهدا فجر الحرية وواد الديمقراطية، 6 ابريل 1985 انتفاضة شعبية تتطيح بنظام مايو ووقتها قال الرئيس الراحل جعفر نميري من واشنطن "مافي زول بيقدر يشيلني"، شهدت الصحافة حرية تعبير غير مسبوقة،حتى وقع انقلاب 30 يونيو 1989 وواد الديمقراطية وعطل الصحف.
اما قبل،كانت صحفيتا"الايام" والصحافة" تتبعان للاتحاد الاشتراكي،وكانتا قبيل انتفاضة 6 ابريل 1985 تقفان إلى جانب نظام مايو في مواجهة المظاهرات الشعبية التي انطلقت في 26 مارس 1985 ولم تتوقف طوال 10 ايام، حتى اعلن الجيش انحيازه الى الشعب في 6 ابريل1985 ، وكانت الصحيفتان ووكالة انباء السودان"سونا" تنشر باسهام بيانات الاجهزة الحكومية والاتحاد الاشتراكي ودورها في قمع المظاهرات وتصف المتظاهرين بـ" المتبطلين" والمتسكعين".في السادس من ابريل 1985 اذاع راديو امدرمان في الثامنة صباحا البيان الاول الصادر من القيادة العامة للقوات المسلة وجاء فيه" إن قوات الشعب المسلحة حقا للدماء وحفاظا على استقلال الوطن ووحدة اراضيه قررت بالاجماع ان تقف إلى جانب الشعب واختياره وان تستجيب إلى رغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها للشعب عبر فترة انتقالية محددة" وبعد ساعة اذيع البيان الثاني الذي جاء فيه إعلان حالة الطواري وحل الاتحاد الاشتراكي وجميع تنظيماته وروافده .(1)
تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الفريق اول عبد الرحمن سوار الذهب الذي تحل من البيعة ،ومجلس الوزراء برئاسة الدكتور الجزولي دفع الله . وحول البيعة يذكر الدكتور امين حسن عمر احد شهود العصر ووزير الدولة برئاسة الجمهورية :كان التقدير أن الفريق أول سوار الذهب رجل إسلامي ليس محسوبا على التيار الإسلامي، لكنه رجل متدين وله صلة حسنة بالختمية، وله شخصية مستقلة. كان التقدير أيضا أن الفريق أول سوار الذهب لن يقود انقلابا ضد نميري، لأنه قدم البيعة لنميري. من هذه الخلفية دخلنا في حوار هل نتعامل مع الفريق أول سوار الذهب أم مع نائبه الفريق تاج الدين عبد الله وكانت أيضا له اتجاهات إسلامية ولم تكن له صلة بالحركة الإسلامية؟. من ثنايا ذلك الحوار الداخلي كان الأستاذ علي عثمان محمد طه يرى أن الفريق أول سوار الذهب شخص معروف رجل مقبول للجميع، فإذا نجحنا في إقناعه بالتحرك للاستيلاء على السلطة يكون هذا الوضع الأحسن. ودعم الأستاذ علي عثمان هذا الرأي بكتابة مذكرة للفريق سوار الذهب، أرسلت بواسطتي إلى الفريق سوار الذهب عبر أحد أفراد أسرته. أما مضمون هذه المذكرة التي أرسلت في يوم الخميس الرابع من أبريل 1985م، فقد احتوى على تأكيد أن الفريق أول سوار الذهب يقف مع الشريعة وكذلك الحركة الإسلامية. وحول البيعة لنميري قالت المذكرة إن البيعة لم تكن لشخص نميري، وإنما كانت للدولة. من حسن الحظ أن الفريق أول سوار الذهب توصل لهذه المعاني قبل أن يقرأ المذكرة، لأن واقع الحال أن الفريق سوار الذهب اطلع على هذه المذكرة صباح السبت الموافق السادس من أبريل 1985م، أي بعد عملية الاستيلاء على السلطة. وهذه الراوية صحيحة تماما، لأن المذكرة التي أرسلت بواسطتي وصلت منزل الفريق أول سوار الذهب مساء الخميس الرابع من أبريل، لكن الحاصل أن الفريق أول سوار الذهب قضى يومي الخميس والجمعة داخل مقر القيادة العامة إلى أن اكتملت عملية الاستيلاء على السلطة فجر السبت السادس من أبريل، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ السودان.
(2) .
لم تتوقف "الايام"و"الصحافة" واقصي المسؤولن عنهما وهم المعينون من قبل الاتحاد الاشتراكي،وتغير اسلوبهما واتجاهما في اليوم التالي واصبحتا صحيفتين منحازتين إلى الجماهير وحدث نفس الشئ في وكالة السودان للانباء"سونا"،وابعد مديرها وكلف نائبه بادرتها ، وهو اجراء يعادل ابعاد الوزراء وتكليف وكلاء الوزارات لادارة شؤون وزارتهم،وكما جرى اعتقال الوزراء وكبار المسئولين،اعتقلت سلطات الوضع الجديد رئيسي تحرير"الايام" و"الصحافة" ومدير"سونا" وافرج عنهم بعد عدة شهور.تحولت جريدة القوات المسلحة الى اسبوعية وتنفرد باخبار المجلس العسكري الانتقالي والتطورات العسكرية في جنوب السودان،اصدر التجمع ، الذي ضم استاذة جامعة الخرطوم والنقابات المهنية نشرة يومية تحمل اسمه وتطبع على ورق رونيو بحجم التابلويد ((Tabloid من مقر نادي اساتذة جامعة الخرطوم،وتباع بجنيه واحد، اهتمت بنشر اخبار الحركة النقابية،والتجمع الوطني وفروعه في الاقاليم والاعلان عن الندوات السياسية والرد على الشائعات التي تستهدف الانتفاضة الشعبية،والوضع السياسي الجديد، كانت نشرة"التجمع" تعبر عن حركة القوى الشعبية الممثلة في النقابات والمثقفين،ولكنها لم تستمر اكثر من اربعة اشهربسبب ضعف الامكانيات المالية والفنية وانشغال المشرفين عليها من اساذة وطلبه في اعمالهم وانشطتهم السياسية المختلفة.
خلت الساحة في الشهور الاولى لـ"الايام" و"الصحافة" وجريدة القوات المسلحة ومجلة Sudan now" " الشهرية وتصدرها وزارة الثقافة والاعلام ، وبعد حين اعيدت الصحيفتين لاصحابها وسمجت الحكومة الانتقالية لك من شاء من افراد او احزاب او جمعيات او هيئات باصدار الصحف وكلفت وزارة الثقافة والاعلام بتولي الاشراف على اصدار الصحف الجديدة وذلك عن طريق مجلس الصحافة والمطبوعات وكانت بعض الصحف قد حصلت على تصديق قبل الانتفاضة الشعبية مثل: الاسيوع 9 يناير 1985 صحيفة رياضية باسم محي الدين احمد ادريس تيتاوي وفي26 مارس 1985 طلب تعديلها الى جريدة سياسية ، والسوداني 8 اغسطس 1981 جريدة اقتصادية تهتم بشؤون المغتربين وفي 8 يناير 1984 تحولت بطلب من صاحب التصديق محجوب عروة الى "السوق السوداني" وفي 14 يوليو 1895 علد اسمها الى"السوداني" لتكون جريدة سياسية ، اما جريدة النهارفقد كانت نشرة يومية باللغة الانجليزية باسم "The monitor " وصدرمنها عدد واحد في 21 مارس 1983 وتغيرت الى "النهار" في 13 اكتوبر 1987 لتصبح حسيفة سياسية يومية صاحبها يحي العوض.كان شروط الترخيص باصدار صحيفة من خلال مجلس الصحافة والمطبوعات على النحو التالي:
- شهادة بحث جنائي
- شهادة مقدرة كالية
- تقديم الطلب الى وزير الثقافة والاعلام للدراس واتخاذ القرار
- دفع تامين ثابت قيمته 5 آلاف جنيه وكان هناك اتجاه لرفعه الى 20 الف جنيه
- الفا جنيه رسوم الصحيفة اليومية،الف جنيه رسوم الصحيفة الاسبوعية،750 رسوم النصف شهرية،500 للصحيفة الشهرية،250 جنيه للدورية.

كانت اول الصحف التي صدرت بموجب هذه الاجراءات بعد الانتفاضة وخلال الحكم الانتقالي "الراية" التي صدرت عن الجبهة الاسلامية القومية و"الوان" لصاحبها حسين خوجلي. وتمتعت الصحافة خلال الديمقراطية الثالثة 1985- 1989 بحرية واسعة لا مثيل لها في المنطقة ومارست حرية التعبير والنقد للحكومة وانتصر القضاء لها كما هو الحال في قضية"الوان" حينما قرر وزير الثقافة والاعلام في الحكومة الانتقالية محمد بشير حامد تعطيلها لانها تجاوزت الترخيص باعتبارها صحيفة"ثقافية اجتماعية" ودخلت مجال السياسة دون موافقة مجلس الصحافة والمطبوعات ، لكنها عادت الى الصدور بقرار من المحكمة.(3)
انتصر القضاء ايضا لحرية الصحافة عندما عادت "السياسة" الى الصدور بقرار من المحكمة اثر تعطيلها اداريا بقرار من وزير الداخلية سيد احمد الحسين لمدة 10 ايام فيما يعرف بـ"قضية العصر" ونشرت في هذ الصدد انها تمتلك شريط تسجيل"كاسيت" لحوار بين وزير الداخلية في عهد حكومة الصادق المهدي وينمتي الى الحزب الاتحادي الديمقراطي وسفير مصر يكشف عن وعود مالية مقابل اسرار حزبية.ووقتها استانف الاستاذ عبد الوهاب محمد عبد الوهاب"بوب" مستشار الصحيفة واحد كتابها ضد قرار الوزير وصدرالحكم بعودتها الى الصدور، وفي استطلاع صحفي مع كبار الصحفيين والقانونيين وفي مقدمتهم الاستاذ بشير محمد سعيد عميد الصحفيين السودانيين واحد مؤسسي "الايام" ، والاستاذ عمر عبد التام نقيب الصحفيين ، والاستاذ عبد الله الحسن نقيب المحاميين السودانيين وبرلمانيين حيث اجمعت الاراء على اهمية القرار في ترسيخ حرية التعبير واستقلالية القضاء وعدم جواز تعطيل الصحف بقرار اداري. (4) واتضح لاحقا ان قضية"الكاسيت" كانت مكايدات حزبية سياسية خاصة ،وخاصة ان الدكتور خالد فرح رئيس تحرير السياسية هو شقيقه رئيس جهاز الامن الذي كان منتميا الى حزب الامة، ومن قام بتسجيله احد افراد الامن يدعى سيف الدين سعيد مقابل عشرة آلاف جنيه وله صلة بفرح. (5) وفي اول يونيو1989 تم تعطيل "الرأي" لصاحبها ورئيس التحرير محمد توفيق وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة وتم اعتقاله مع مدير التحرير مصطفى يوسف ومحرر اخر لنشرها مقالا اعتبر ماسا بالقوات المسلحة وتم اغلاق مكاتبها بعمارة" الامارات" بالسوق العربي ووضعها تحت حراسة.(6)
هوامش:
1- الصحافة السودانية، تاريخ وتوثيق، سجل كامل للصحافة السودانية 1899-1989- ،صلاح عبد اللطيف(دكتور)،شركة الاعلانات الشرقية ،مصر، القاهرة،ص(118) .
2- محمد الشيخ حسين،بعد 26 عاما من انتفاضة أبريل المنسية، الصحافة 6 /4/ 2011 العدد 6364
3- الصحافة السودانية، تاريخ وتوثيق، صلاح عبد اللطيف(دكتور)، مرجع سابق ص 119-120
4- فيصل خالد ،صحفي سابق بجريدة السياسة،وحاليا جريدة الشرق القطرية.
5- ضياء الدين بلال، رئيس تحرير صحيفة السوداني،حوار،28 مارس 2011
6- فيصل خالد، مرجع سابق.

ليست هناك تعليقات: