الطيب صالح .."زول" نادر على طريقته
حينما أبصر النور قبل 80 عاما أطلقت عليه والدته عائشة احمد زكريا اسم "الطيب" ، وذلك بعد أن فقدت مولودين قبله،وكان الناس في شمال السودان يعتقدون أن "الطيب" اسم تحل به البركة إذا كانت الأسرة تفقد مواليدها ،أما والده فهو محمد صالح احمد، عاش بسيطا ، في الدبة.أما الطيب صالح "الزول" النادر، فقد نال نصيبه من الاسم بان كان صالحا في حياتهن وشيعته الدعوات الصالحات في مماته، و كان بارا بوالديه وأهله وتميز بالوفاء والزهد والتعفف ،وصور ما يعتلج بداخله عندما فقد اعز إنسان بقوله" إنني ادري لماذا أنا حزين الآن في هذا المكان،لقد وقفت على قبر إنسان عزيز، اعز إنسان عندي، وانقطع أهم ما كان يربطني إلى هذه الديار،الحزن يعلو ويخبو ،ويمتد عبر زمن طويل، ويأتي على أشكال عدة،يهجم عليك من حيث لا تحتسب لقد صبرت حين كان يتحتم علي أن ابكي وبكيت حينما كان يجمل بي الصبر".رحل الطيب صالح،ذاكرة السودان ، وينبوع القيم الجميلة،واليوم يقول السودانيون حينما يقفون أمام قبره، مثلما قال هو حينما فقد اعز إنسان. نعاه الناس والعارفون بأدبه وفضله ،ولا نقول إلا ما يرضي الله ، وفي العين دمعة، وفي القلب حسرة ، وأننا لمحزونون لفراق "المريود".وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الطيب صالح .."زول" نادر على سجيته.
كان الطيب صالح سمح الخصال،زاهدا،أصيلا،قنوعا،بسيطا،متعففا ، مسالما،حنونا،رمزا ومنارة ،مضى إلى الدار الباقية، وترك لنا في الدار الفانية ادبه وسيرته العطرة التي تمشي بين الناس،وسيعكف كثيرون على قراءة أدبه، ليفهموا كل تلك القيم التي شكلت شخصيته،وكل يوم سيكتشفون جديدا في سيرة "زول" نادر على سجيته قل ما يتحدث عن نفسه، وإذا تحدث صدق،وفي حديثه تواضع العلماء والصالحين،وبين كتبه سطور تسللت من لسانه بعفوية لتكشف جوانب من شخصيته، سئل ذات مرة :كيف تسير الأشياء ، أو كيف تراها بين بلد تموت من البرد حيتانها وأخرى تعيش في الصيف القائظ ، والغبار الكثيف عصافيرها ؟ فقال :"أنا مسافر بين الحالتين ، وأسمي حالتي هذه بالكلمة الإنجليزية " commute" ، والكميوت هو من يشتغل في المدينة ويسكن في الضواحي ، ويسافر كل يوم من الضاحية إلى المدينة بالقطارات والسيارات في المدن الأوروبية . كنت طوال الوقت أسافر بين هذه الأحوال ، هي أحوال صعبة ومنهكة نفسياً بالطبع ، لكنها منعشة ، ولها ردود فعلها ، كنت أسعد جداً عندما « أقوم « بالطائرة من لندن إلى الخرطوم ، وخلال أربع وعشرين ساعة أكون قد " تحولت " من لندن إلى " كرمكول "ـ في وقت ما كانت الطائرة منتظمة بين الخرطوم ومنطقتنا في الشمال ـ هذا الانتقال السريع يدخلني في حالة مختلفة تماماً ، أسعد بها أكثر من حياتي في لندن ، مع إنها كانت حياة محتملة!". سأله شاب على هامش ندوة في الكويت فدار بينهما الحديث التالي :
يقال انك توقفت عن الكتابة لسببين : يقال انك انجرفت في التدين واستحوذت عليك الجماعات الدينية .
- ضحكت لأنني اعلم كم أنا مقصر في جنب الله وإن بعض الناس يقولون إنني ملحد أو حتى شيوعي. قلت له : بالله أخي أنا لا افعل أكثر من إنني أصلي صلاة الجمعة كسائر المسلمين وكثيرا ما تفوتني صلاة الفجر في وقتها.
- يقولون انك تصادق الأثرياء والوجهاء.
- يا بني .. صحيح أن لي صديقا أو صديقين يقال إنهما أثرياء، ووالله لا ادري مقدار ثرائهم،وهو أمر لا يعنيني في كثير أو قليل،وهو ليس أكثر من صفة تعلق بالإنسان،كان يكون نحيلا أو بدينا أو احمرا أو اسودا ، وأما الوجهاء فقد قابلت منهم عددا ولكن لا اذكر لك صديقا واحدا بينهم ولكن دعك من هذا.بالله كيف تراني ، هل أبدو لك كأني جليس أثرياء ووجهاء أم انك ترى رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصر؟
- قلت له ذلك لأنه شاعر.
ورواية أخرى قالها لصحيفة الرأي العام السودانية :" خطر للدكتور حسن ابشر الطيب أن يجمع مالاً ليبني لي بيتاً في السودان ، فقلت له لا أريد بيتاً ، ولا أملك وقتاً ، لكنه أصر ، « ولما لم قريشات يبدو أنها قلت عن القروش البتعمل البيت » ، فسألني ماذا نفعل ، وخطر لي في الأول إرجاع الفلوس للمتبرعين ، لكنا فكرنا والأخ محمود صالح عثمان صالح ـ وهو رجل عظيم ـ وقلنا : « والله كويس نخصصها لجائزة ، وهم من اقترحوا أن تكون باسمي ، مع إني كنت أفضل لو أنها كانت باسم التجاني يوسف بشير مثلاً ، « وختينا القريشات دي عشان تبقي نواة لهذه الجائزة » .أنا الآن أفكر في جمع المزيد من المال لجعلها جائزة كبيرة ، لا لتكون باسمي المتواضع ، بل باسم أحد عظماء السودانيين ، وأظن أن التجاني يوسف بشير مناسب جداً لتسمية الجائزة باسمه « جائزة التجاني يوسف بشير" .هكذا كان أديبنا الزاهد، المتأدب بسماحة الأخلاق والاعتدال.مذهبه في النقد هو "نقد المحبة" وجوهره ان يرى الناقد بعين " المحب التي لا ترى إلا المحاسن " ويقول عن ذلك " هذا مذهبي ، ومع أني لست بناقد لكني لست بعيداً عنه وعلى بعد البصيرة ، النقد عندنا تحول إلى وسيلة لممارسة السلطة ، وأنا أنفر جداً من المتسلطين في هذه الدنيا عموماً ، حكاماً أو أصحاب نفوذ ، أو نقاد ، الناقد أحياناً يضع نفسه فوق المبدع ، ويتحدث بنبرة متعالية. يربط الراحل المقيم بالدوحة ود قديم،ويغشاها دائما في أسفاره،وحضرت له محاضرة بعنوان "أبو العلاء شاعرا" قدمها ضمن معرض الدوحة للكتاب في 2004 ، وأثارت وقتها جدلا حيث نسف فرضية وصف الشاعر بـ "الفيلسوف الزاهد" معتبرا ذلك الوصف تضييق لأفقه الفكري وتسييج لخياله وقال إن المعري هو"شاعر أولا وأخيرا" وهو أحد أضلاع مثلث الشعر العربي الذهبي بجانب الشاعرين : أبو نواس وأبو الطيب المتنبي. أخر زياراته إلى الدوحة العام الماضي،ساح في أجواء التصوف وشارك في احتفالية المولد النبوي،بدار الخليفة المحجوب ،احد أتباع الطريقة الختمية في السودان، والذي عاش في أجواء التصوف، وشب على حلقات الذكر. سعدنا ان تعلن دار الريس طباعة أعماله الكاملة، وان تخلد دولة قطر في "الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010" سيرته وتكرمه أيضا بطباعة أعماله الكاملة، وفي ذلك إحياء لسيرته، وكان ما كان يتمناه الراحل المقيم أن ينجز 3 أجزاء من " بندر شاه " الذي يعتبره أهم من "موسم الهجرة إلى الشمال" ليت هذا العمل ينجز من دار الريس أو الدوحة،وهذا الأدب الصالح يجعل إنتاج أديبنا لا ينقطع. اللهم ارحم الطيب صالح وادخله فسيح جناتك.
...............................................
* اقتباس لعنوان كتابه منسي : إنسان نادر على طريقته .و"زول" من فصيح العربية ولها أكثر من سبعة عشر معنى .جاء في قاموس لسان العرب لإبن منظور أن كلمة زَوْلٌ تعني: الكريم الجواد ، أنشد السكيت المزرد لقد أروح بالكرام الأزوال من بين عم وابن عم أو خال .والزول الفتى ، قال محمد بن عبيد الله الكاتب المشهور بالمفجع يمدح علياً : أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً وفطيماً وراضعاً وغذياً .والزول : الشجاع الذي يتزايل الناس من شجاعته .والزول الخفيف الظريف الذي يعجب الناس من ظرفه . والعمامة رمز "الزول" وهي لباس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والأئمة والفقهاء
حينما أبصر النور قبل 80 عاما أطلقت عليه والدته عائشة احمد زكريا اسم "الطيب" ، وذلك بعد أن فقدت مولودين قبله،وكان الناس في شمال السودان يعتقدون أن "الطيب" اسم تحل به البركة إذا كانت الأسرة تفقد مواليدها ،أما والده فهو محمد صالح احمد، عاش بسيطا ، في الدبة.أما الطيب صالح "الزول" النادر، فقد نال نصيبه من الاسم بان كان صالحا في حياتهن وشيعته الدعوات الصالحات في مماته، و كان بارا بوالديه وأهله وتميز بالوفاء والزهد والتعفف ،وصور ما يعتلج بداخله عندما فقد اعز إنسان بقوله" إنني ادري لماذا أنا حزين الآن في هذا المكان،لقد وقفت على قبر إنسان عزيز، اعز إنسان عندي، وانقطع أهم ما كان يربطني إلى هذه الديار،الحزن يعلو ويخبو ،ويمتد عبر زمن طويل، ويأتي على أشكال عدة،يهجم عليك من حيث لا تحتسب لقد صبرت حين كان يتحتم علي أن ابكي وبكيت حينما كان يجمل بي الصبر".رحل الطيب صالح،ذاكرة السودان ، وينبوع القيم الجميلة،واليوم يقول السودانيون حينما يقفون أمام قبره، مثلما قال هو حينما فقد اعز إنسان. نعاه الناس والعارفون بأدبه وفضله ،ولا نقول إلا ما يرضي الله ، وفي العين دمعة، وفي القلب حسرة ، وأننا لمحزونون لفراق "المريود".وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الطيب صالح .."زول" نادر على سجيته.
كان الطيب صالح سمح الخصال،زاهدا،أصيلا،قنوعا،بسيطا،متعففا ، مسالما،حنونا،رمزا ومنارة ،مضى إلى الدار الباقية، وترك لنا في الدار الفانية ادبه وسيرته العطرة التي تمشي بين الناس،وسيعكف كثيرون على قراءة أدبه، ليفهموا كل تلك القيم التي شكلت شخصيته،وكل يوم سيكتشفون جديدا في سيرة "زول" نادر على سجيته قل ما يتحدث عن نفسه، وإذا تحدث صدق،وفي حديثه تواضع العلماء والصالحين،وبين كتبه سطور تسللت من لسانه بعفوية لتكشف جوانب من شخصيته، سئل ذات مرة :كيف تسير الأشياء ، أو كيف تراها بين بلد تموت من البرد حيتانها وأخرى تعيش في الصيف القائظ ، والغبار الكثيف عصافيرها ؟ فقال :"أنا مسافر بين الحالتين ، وأسمي حالتي هذه بالكلمة الإنجليزية " commute" ، والكميوت هو من يشتغل في المدينة ويسكن في الضواحي ، ويسافر كل يوم من الضاحية إلى المدينة بالقطارات والسيارات في المدن الأوروبية . كنت طوال الوقت أسافر بين هذه الأحوال ، هي أحوال صعبة ومنهكة نفسياً بالطبع ، لكنها منعشة ، ولها ردود فعلها ، كنت أسعد جداً عندما « أقوم « بالطائرة من لندن إلى الخرطوم ، وخلال أربع وعشرين ساعة أكون قد " تحولت " من لندن إلى " كرمكول "ـ في وقت ما كانت الطائرة منتظمة بين الخرطوم ومنطقتنا في الشمال ـ هذا الانتقال السريع يدخلني في حالة مختلفة تماماً ، أسعد بها أكثر من حياتي في لندن ، مع إنها كانت حياة محتملة!". سأله شاب على هامش ندوة في الكويت فدار بينهما الحديث التالي :
يقال انك توقفت عن الكتابة لسببين : يقال انك انجرفت في التدين واستحوذت عليك الجماعات الدينية .
- ضحكت لأنني اعلم كم أنا مقصر في جنب الله وإن بعض الناس يقولون إنني ملحد أو حتى شيوعي. قلت له : بالله أخي أنا لا افعل أكثر من إنني أصلي صلاة الجمعة كسائر المسلمين وكثيرا ما تفوتني صلاة الفجر في وقتها.
- يقولون انك تصادق الأثرياء والوجهاء.
- يا بني .. صحيح أن لي صديقا أو صديقين يقال إنهما أثرياء، ووالله لا ادري مقدار ثرائهم،وهو أمر لا يعنيني في كثير أو قليل،وهو ليس أكثر من صفة تعلق بالإنسان،كان يكون نحيلا أو بدينا أو احمرا أو اسودا ، وأما الوجهاء فقد قابلت منهم عددا ولكن لا اذكر لك صديقا واحدا بينهم ولكن دعك من هذا.بالله كيف تراني ، هل أبدو لك كأني جليس أثرياء ووجهاء أم انك ترى رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصر؟
- قلت له ذلك لأنه شاعر.
ورواية أخرى قالها لصحيفة الرأي العام السودانية :" خطر للدكتور حسن ابشر الطيب أن يجمع مالاً ليبني لي بيتاً في السودان ، فقلت له لا أريد بيتاً ، ولا أملك وقتاً ، لكنه أصر ، « ولما لم قريشات يبدو أنها قلت عن القروش البتعمل البيت » ، فسألني ماذا نفعل ، وخطر لي في الأول إرجاع الفلوس للمتبرعين ، لكنا فكرنا والأخ محمود صالح عثمان صالح ـ وهو رجل عظيم ـ وقلنا : « والله كويس نخصصها لجائزة ، وهم من اقترحوا أن تكون باسمي ، مع إني كنت أفضل لو أنها كانت باسم التجاني يوسف بشير مثلاً ، « وختينا القريشات دي عشان تبقي نواة لهذه الجائزة » .أنا الآن أفكر في جمع المزيد من المال لجعلها جائزة كبيرة ، لا لتكون باسمي المتواضع ، بل باسم أحد عظماء السودانيين ، وأظن أن التجاني يوسف بشير مناسب جداً لتسمية الجائزة باسمه « جائزة التجاني يوسف بشير" .هكذا كان أديبنا الزاهد، المتأدب بسماحة الأخلاق والاعتدال.مذهبه في النقد هو "نقد المحبة" وجوهره ان يرى الناقد بعين " المحب التي لا ترى إلا المحاسن " ويقول عن ذلك " هذا مذهبي ، ومع أني لست بناقد لكني لست بعيداً عنه وعلى بعد البصيرة ، النقد عندنا تحول إلى وسيلة لممارسة السلطة ، وأنا أنفر جداً من المتسلطين في هذه الدنيا عموماً ، حكاماً أو أصحاب نفوذ ، أو نقاد ، الناقد أحياناً يضع نفسه فوق المبدع ، ويتحدث بنبرة متعالية. يربط الراحل المقيم بالدوحة ود قديم،ويغشاها دائما في أسفاره،وحضرت له محاضرة بعنوان "أبو العلاء شاعرا" قدمها ضمن معرض الدوحة للكتاب في 2004 ، وأثارت وقتها جدلا حيث نسف فرضية وصف الشاعر بـ "الفيلسوف الزاهد" معتبرا ذلك الوصف تضييق لأفقه الفكري وتسييج لخياله وقال إن المعري هو"شاعر أولا وأخيرا" وهو أحد أضلاع مثلث الشعر العربي الذهبي بجانب الشاعرين : أبو نواس وأبو الطيب المتنبي. أخر زياراته إلى الدوحة العام الماضي،ساح في أجواء التصوف وشارك في احتفالية المولد النبوي،بدار الخليفة المحجوب ،احد أتباع الطريقة الختمية في السودان، والذي عاش في أجواء التصوف، وشب على حلقات الذكر. سعدنا ان تعلن دار الريس طباعة أعماله الكاملة، وان تخلد دولة قطر في "الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010" سيرته وتكرمه أيضا بطباعة أعماله الكاملة، وفي ذلك إحياء لسيرته، وكان ما كان يتمناه الراحل المقيم أن ينجز 3 أجزاء من " بندر شاه " الذي يعتبره أهم من "موسم الهجرة إلى الشمال" ليت هذا العمل ينجز من دار الريس أو الدوحة،وهذا الأدب الصالح يجعل إنتاج أديبنا لا ينقطع. اللهم ارحم الطيب صالح وادخله فسيح جناتك.
...............................................
* اقتباس لعنوان كتابه منسي : إنسان نادر على طريقته .و"زول" من فصيح العربية ولها أكثر من سبعة عشر معنى .جاء في قاموس لسان العرب لإبن منظور أن كلمة زَوْلٌ تعني: الكريم الجواد ، أنشد السكيت المزرد لقد أروح بالكرام الأزوال من بين عم وابن عم أو خال .والزول الفتى ، قال محمد بن عبيد الله الكاتب المشهور بالمفجع يمدح علياً : أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً وفطيماً وراضعاً وغذياً .والزول : الشجاع الذي يتزايل الناس من شجاعته .والزول الخفيف الظريف الذي يعجب الناس من ظرفه . والعمامة رمز "الزول" وهي لباس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والأئمة والفقهاء
* توفي الثلاثاء 17 فبراير 2009 في لندن ووري جثمان الأديب في مقابر البكري بأم درمان الجمعة 20 فبراير 2009
.
.
هناك تعليق واحد:
yeezy 350
curry
yeezy boost 350
pg 1
kyrie shoes
off white
lebron 18
golden goose outlet
moncler jacket
supreme clothing
إرسال تعليق